النسيان والتلعثم ليستا في تركيا ..


جفرا نيوز
ابراهيم عبدالمجيد القيسي.
إنما التعثر والأخطاء هنا في الأردن . مع الاحترام للرئيسين: نستهل؛ بمقارنة ضرورية بين هاني الملقي وسلفه عبدالله النسور، أعني على صعيد القدرات الشخصية ومهارات الحديث للاعلام وللجمهور:
لدى النسور قدرات معروفة اكتسبها من خلال المواقع السياسية والشعبية الكثيرة التي شغلها، ويملك موهبة الاعتماد على شخصه في قيادة المشهد أمام الكاميرا وأمام الجمهور، مهما بلغت درجة وعي الجمهور أمامه، وهو لا يمكنه أن يعمل مع أي فريق على هذا الصعيد.. أي أنه رجل يجيد العمل وحيدا، ولهذا السبب كانت لديه وجهة نظره الخاصة حول إعلام الرئاسة والرئيس، وباختصار شديد كان النسور هو اعلام الرئيس والرئاسة "ون مان شو"، ولم يعتمد على أية وسيلة إعلام ولا مستشارين إعلاميين وحدد بل "جمد" صلاحيات ونشاطات وزارة الدولة لشؤون الاعلام.. ونظرا للاختلاف الجذري بين شخصيتي الرئيسين، النسور والملقي، فلا مجال للملقي أن يعمل أو يؤدي دوره على طريقة سلفه النسور، فالدكتور الملقي يجيد العمل ضمن فريق، وهو أكثر ميلا للشفافية والصراحة والحديث المباشر دون تحسينات لفظية، ولا مناورات سياسية ولا عواطف، ويجيد الصدق ولا يجيد التمثيل، وهو بهذا لا يمكنه التعامل على طريقة الدكتور النسور مع إعلامه وإعلام الرئاسة ومع الإعلام بشكل عام.
صفات الرئيس الملقي وعمله وحيدا كسلفه، واعتماده على نفسه دون وجود دعم اعلامي محترف، كلها أمور لها كلفتها الباهظة عليه وعلى تأثيره في الجمهور، فالرجل مباشر ولا شيء يخفيه وهو أولا وأخيرا كائن بشري، وليس ماكنة أو كمبيوتر، ومهما كانت قدراته العقلية فهو سيقع تحت وطأة التعب والنسيان، ويسقط في الخطأ اللغوي وغيره من الأخطاء التي تحدث أمام الكاميرات والجماهير..
ظهور المذيع على شاشة التلفزة عمل صعب وفيه جهود كبيرة والمذيع هو أقل شخص يبذل جهدا من أجل الظهور المؤثر، فالفريق التقني المخفي المحترف هو الذي يقدم كل شيء، وكذلك الأمر بالنسبة للرؤساء والشخصيات السياسية حين تظهر أمام الإعلام والجماهير وفي الخطابات والمؤتمرات العامة، وهناك علم وتقنيات ومراسم ووظائف وجيش من المحترفين والتجهيزات، تعمل لدعم الرؤساء من أجل هذه الدقائق او ربما الثواني أمام الجماهير والكاميرات التلفزيونية، وكان ال"تيلي برومبتر TelePrompter" لا يفارق المحامي الفصيح الرئيس الأمريكي السابق اوباما، فتلك الشاشة الشفافة التي نراها أمامه وأمام كل الرؤساء والمتحدثين، هي صديقته المقرب، التي تصحبه على المسارح وأمام الكاميرات وفي المؤتمرات، تقدم له نصا وملاحظات تساعده في أداء مهمته، وذلك على الرغم من وجود فريق من الملقنين والمستشارين حوله في تلك المواقف، وثمة في السياق خبراء في حركات الجسد ومحترفون في فن التأثير بالجماهير.. وكان الرؤساء وما زالوا ينسون ويرتبكون ويخطئون ..فهم بشر ويقع على عاتقهم شأن عام، ولا يجدون الوقت لترتيب اولوياته وتنظيمه على الرغم من كل الدعم الفني والتقني حولهم.
الدكتور هاني الملقي يبذل مجهودا كبيرا على امتداد ال24 ساعة، لا سيما ونحن نعيش هذه الظروف القاسية، التي يتحمل فيها رئيس الحكومة العبء الأكبر، بسبب شفافيته وديمقراطيته وصراحته، وغياب الدعم الاستشاري المحترف، وتسمر الاعلام في مكان اعتاده منذ 5 اعوام، تمثل بداية ونهاية عهد حكومة الدكتور عبدالله النسور، لكنه استمر كذلك حتى اليوم على الرغم من الاختلاف الجذري بين شخصيتي الرئيسين!، وفي هذا السياق يمكننا أن نلقي باللائمة على انحسار الاعلام الرئاسي والحكومي كسبب مهم في تعب الرئيس، وازدهار مناكفة الحكومة وسهولة إتهامها وتغييب موقفها مع الحقيقة الخجولة التي تصلنا بالتنجيم، بدلا من أن تكون واضحة وجاهزة في متناول كل منتقد أو باحث أو معارض، لكن الذي نراه يفيد بنجاح المشككين والمضللين في توصيل ما يريدون، بينما الحكومة ورأيها ومواقفها غائبة ولولا بعض الأقلام النظيفة لما سمعنا او وصلنا إلى حقائق دامغة، تتبخر بسببها الأباطيل والاشاعات .
ما الذي فعله وقاله الاعلام الاردني حول مؤتمر رئيس الوزراء مع نظيره التركي؟ وهل قدموا رأيا جادا حول هذا الموقف الذي ظهر فيه الملقي متعبا، ويعجز عن تذكر كلمات قالها عشرات آلاف المرات في حياته؟ وعلى الرغم من تأكيدي حقها في استقطاب القراء والمتابعين إلا أنني أسأل: كم من وسيلة تسمي نفسها أردنية ووطنية استقبلت هذا الموقف بوطنية ومسؤولية وتحدثت فيه بمنطق وعلم؟ ..
ما زال الناس العاديون يتندرون على الهفوة الطبيعية لأي رئيس، وهذا حقهم ولا أحد يستطيع منعهم من الحديث والتندر، فهي مواقف لشخصيات عامة قابلة للنقد من المواطنين العاديين، لكن العتب على الاعلام الرئاسي والاعلام الوطني، فالجمهور المتندر هو جمهورهم، ووعيه وحضاريته وتفاعله الإيجابي مع الأحداث الأردنية هي مسؤولية وسائل الاعلام الوطنية المحترمة، وكان المطلوب أن تترك الطرف والتندر والإساءات والاستغلال للإعلام المعادي للوطن وللدولة ولرئيس وزرائها، خصوصا وأن الموقف الذي نتحدث عنه موقف بشري طبيعي نتعرض له جميعا في كل مناسبة، لكن العلم يقول حقائق عن هذه المواقف، وعن الأشخاص الذين يتعرضون لها " فهم الأكثر صدقا وحساسية ونقاء".. ولا تنطوي نفسياتهم على تراكيب معقدة وخبرات في التمثيل والكذب والتفلت.
حتى هذه المواقف يمكن للاعلام المحترف أن يحولها فرصة للنجومية والشهرة وكسب الحب والتأييد للشخصية الهدف وليس للسخرية والاستهزاء..
ولا يمكنني هنا إلا أن أقدم معلومة واحدة لرئيس الوزراء : لديك في رئاسة الوزراء من يستطيعون القيام بهذا الدور باحتراف وأمانة ووطنية مشهود لها وبها.