تطوير المناهج حاجة ملحة .. تأخيرها يضرّ بالمنظومة التعليمية
جفرا نيوز- نيفين عبد الهادي لا يكفيك فكرة وورقة وقلم لتقول إنك أنجزت، بل لا بد من دفع الفكرة نحو التحقيق العملي وتجسيد ما بلورته بكلمات بخطوات عملية على أرض الواقع، فمهما كانت الفكرة كبيرة فهي بحاجة لعمل ومثابرة واستمرارية إلى حد التطبيق وجعلها مشاريع ملموسة. والحديث عن تطوير المناهج بات أمرا يتطلب خروج كل ما أثير من كلمات وأفكار بشأنها لمساحات التطبيق العملي، نظرا لكون هذا الجانب اجتاز كافة مراحل الدراسة والتخطيط والتشخيص، فباتت الرؤية واضحة والخطوات محددة باستحضار ما تحمله الأوراق وادخاله حيّز التنفيذ، ذلك أن التأخير ليس من صالح المنظومة التعليمية برمتها، فضلا عن كونه يشدّ بخطوات التنمية التعليمية للخلف ويؤخر من انجازاتها. خريطة طريق العمل واضحة، مبنية على فلسفة واضحة بأن توفير التعليم النوعي للطلبة هو واجب وليس خيارا، وحاجة وليست ترفا، الأمر الذي يجعل من جرس التنبيه بضرروة البدء بثورة بيضاء لتطوير التعليم قد قرع لعشرات المرّات، ولعله في هذه القضية تحديدا لم يعد هناك وقت للوقت، فلا بد من الانطلاق نحو الحركة العملية التي تنعكس على المدرسة والجامعة وحتى على سوق العمل والتشغيل، وصولا لشكل متكامل ونموذجي للمنظومة التعليمية برمتها. لا وجود وسط جدلية تطوير التعليم والمناهج مساحة لأنصاف الحلول، أو للمواقف الضبابية فالأمر يتطلب عملا جادا، يتسم بالسرعة والإنجاز، وبخطوات علمية توكل لجسم مستقل يتسم بتشكيلة متوازنة من الخبراء والتربويين وأصحاب الفكر المستنير والواسع، حتى يمكن عندها التأكيد أن واقع الحال أصبح يتسم بخطوات ايجابية صحيحة، وعملية. و حول المطلوب في موضوع تطوير المناهج، أكد تربويون وخبراء تعليم ومناهج أن تطوير المناهج يجب أن ينطلق من ثلاث قواعد أولها النظر بدقة للضعف الذي نلاحظه في منظومة التعليم وتجاوزها، والثانية الاحتياجات الوطنية في المرحلة الحالية والثالثة ما يجري في العالم من تقدّم ونهوض حتى نستطيع مواكبته، مؤكدين أن تطوير المناهج لا يؤخذ بشكل عشوائي دون دراسة ووقوف على تفاصيل دقيقة. ورأى متحدثون أن هناك حاجة ماسة لوجود جسم مستقل لغايات تطوير المناهج، بشكل تصبح فيه هذه الخطوة سنوية تحدث كل عام وبشكل دائم، وليس موسمية أو كل عشر سنوات مرة، على أن يعمل هذا الجسم على اختلاف مسماه بشكل مستقل وبأدوات حديثة وبمنهجية يؤسس لها بشكل علمي وعملي ليصبح هذا الجانب واقعا دائما يجعل من المنظومة التعليمية محدّثة باستمرار. وقطعت الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية وفق المتحدثين شوطا كبيرا في الشأن التعليمي، وتطبيق ما ورد فيها على أرض الواقع يجعل من هذا الجانب مواكبا لمتطلبات المرحلة، تحديدا فيما يخص الطالب والبيئة المدرسية والمناهج والمعلّم، حيث تم وضعها في قالب مهني تطبيقه سيجعل من النجاح مؤكدا في بناء مستقبل المنظومة التعليمية. وشددت الآراء ذاتها على أن التركيز يجب أن يكون الآن على تطوير المناهج، وليس تغييرها، والأهم أن لا ينظر لهذا الجانب بسياق البحث عن تطوير الشكليات، فالأمر يتطلب تطويرا جذريا يضع الأمور في سياقها الصحيح بشكل يجعل من كافة المناهج خالية من مبدأ حشو المعلومات وضخامة الكتاب بعدد الأوراق فقط دون محتوى علمي جيد، وبمضمون تحديدا في الكتب العلمية محدّث باستمرار بأعلى درجات التطوّر العلمي المعلوماتي، وبصورة يمكن التأكيد بأن الكتاب أصبح صديقا للطالب ولفكره ولصقل شخصيته. وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور إبراهيم بدران أكد أنه من حيث المبدأ فإن مناهجج الدراسة يجب أن تكون موضوعا للتحديث الدائم، لا ترتبط بظرف أو زمن محدد، ويجب أن يكون التحديث باستمرار فالعلم ووسائل التعليم وحالة المجتمع ومتطلبات سوق العمل كلها تتطور وتتغيّر، وعليه لا بد أن يكون هناك تطوير في المنظومة التعليمة بشكل عام وباستمرار. ونبه بدران أن الحديث يجب أن يكون في سياق تطوير المناهج وليس تغييرها، ذلك أن التغيير يتطلب حالة مختلفة من العمل، لافتا إلى أن التطوير ينطلق من ثلاث قواعد أولها الضعف الذي نلاحطه في منظومة التعليم والثانية الاحتياجات الوطنية في المرحلة الحالية والثالثة ما يجري في العالم من تقدم ومن نهوض حتى نستطيع مواكبته. وقال ان تطوير المناهج لا يؤخذ متسرعا، والأهم أن لا يؤخذ لجهة التطوير الشكلي ولا العاطفي، وهنا علينا التأكيد أنه يجب أن تكون هناك لجان متخصصة تدرس بعمق المناهج وترجع للمعطيات التي تمثلها القواعد الثلاث التي أوردتها سابقا، ذلك أن التراجع الذي شهدناه في منظومة التعلمي جزء منه عدم الاهتمام بالجانب التربوي وعليه فإن اللجان المتخصصة سيكون عملها به بعد فكري وعلمي واجتماعي وسياسي حتى تدرك تفاصيل الشكل النموذجي للمنهاج وتقود لفائدة علمية فكرية شخصية على الطالب. وبين بدران أن استراتيجية الموارد البشرية أوردت تفاصيل هامة بهذا الشأن يجب الأخذ بها والبدء بتطبيقها على الفور، ولعل من أبرزها وجود جهة تضع المناهج وتطورها، وهذا الجانب درسته لجان مختصة وأوردته بتفاصيل هامة في الاستراتيجية. وشدد على أنه يجب أن يكون هناك مركز وطني مستقل يتعاون مع وزارة التربية والتعليم ولكن ليس ضمن جهازها وأن يكون على مستوى عال من المهنية والخبرة، توكل له مهمة متابعة تطوير المناهج وتأليف الكتب وكيف يمكن للكتب ان تتوافق مع المناهج ودراسة ما هو الطالب الذي نريده بعد عشر سنوات وبالتالي نحدد شكل ومنهجية المناهج التي يمكن أن تنتج هذا الطالب، وأن تتصف هذه الإجراءات بالاستمرارية وأن تكون سنوية وليست مرتبطة بفترة محددة. وبين بدران أنه لا يجوز أن تكون وزارة التربية تعمل وتنشغل بكل صغيرة وكبيرة في العملية التعليمية فلا بد من الفصل في المهام، وهذه المسألة ضرورة وطنية يجب حسمها بوجود من يكون مسوؤلا عن المناهج وآخر عن المعلمين، فمن الصعب أن نترك كل هذه المهام لوزراة التربية إذ يصعب بعد ذلك أن تقيم أمرا هي من قامت به، فلا بد أن يكون التطوير جوهريا وليس شكليا. اما رئيس لجنة المناهج في لجنة تنمية الموارد البشرية أمين عام وزارة التعليم العالي الأسبق الدكتور تركي عبيدات فأكد أن تطوير المنظومة التعليمية بشكل عام يجب أن يتم من خلال ثلاثة محاور اولها الطالب وثانيها المنهاج وثالثها المعلم، ومن بين أهم هذه المحاور يأتي جانب تطوير المناهج، فنحن نتحدث عن جانب غاية في الأهمية له علاقة بالطالب والمنظومة التعليمية وحتى المجتمع، بالتالي يجب تنفيذ ذلك بشكل علمي دقيق ومدروس بحيث يكون المنتج ايجابيا لطالب مهيئ وصالح في مجتمعه وتفكيره وشخصه، ويكتسب مهارات بالاضافة للمعرفة. وشدد د.عبيدات على ضرروة أن يخلو المنهاج من الحشو وأن يكون موجها نحو اكساب الطالب المزيد من التطبيقبات العملية، وبشكل تكاملي يربط وحدات الكتاب بعضها ببعض، وآلية التدريس تنسجم مع الرؤية الحديثة للتعليم ومعلّم ممكّن، يجعل من المنهاج مرنا يقدّم معلومة ويكسب مهارة وينمي شخصية. ورأى عبيدات أن هناك حاجة لوجود جسم مستقل او شبه مستقل لتطوير المناهج، ومتابعتها، بشكل دائم، ومستمر، ويكون على تواصل دائم مع أطراف العملية التعليمية سواء كانت الخاصة بالمدارس أو الجامعات، بهيكلية واضحة وأن تقوم بتهيئة المجتمع لأي تطوير أو تغيير وأن تأخذ بتغذية راجعة لأي منهاج يتم تطويره ويؤخذ بكل الآراء التي تقدّم بهذا الخصوص، ويمكن أن يعمل على تطبيق المناهج المطوّرة في المدارس قبل اعتمادها بشكل نهائي لغايات فحصه بالميدان، والاستماع لرأي الطلبة وأصحاب الاختصاص بذلك. وشدد على ضرروة أن يحصل المعلم والأستاذ الجامعي على رخصة ممارسة تدريس، لتنظيم واقع التعليم، وتمكين من يقوم بهذه المهمة، بشكل يتم من خلاله تطوير المناهج وبالمقابل تطوير مهارات من يقوم بتدريسها. ولفت عبيدات إلى أن مخرجات التعليم هي مدخلات للتعليم العالي والتطبيقي ومدخلات للتعليم العام، بالتالي يجب أن نعمل ضمن تكاملية وشمولية وتنسيق فعّال ليس فقط بين مجالس التربية والتعليم العالي، إنما أيضا في كافة الجوانب الأخرى حتى في إعداد المناهج وتطويرها والتي بتنا نشهد مفارقات في الكتاب الواحد، فبات العمل التشاركي مطلبا وحاجة، وتطوير مخرجات المدرسة هو تطوير لمدخلات الجامعة وكليات المجتمع ومعاهد التدريب. الدستور