دينار دولار سيجار ..ثالوث الانتفاخ.
جفرا نيوز- ابراهيم عبدالمجيد القيسي.
لا علاقة قوية تربطني بالدينار او الدولار، ولا بأي من العملات، ولست مخيرا في هذا، وكذلك هي علاقتي مع الأرجيلة والسيجار بأنواعه الفاخرة أو المحشوة بالمفاجآت، لكن تربطني علاقات بأصدقاء منهم مدراء بنوك، ومدخنين، يقبلون على الأرجيلة بنهم، وبعضهم يدخن السيجار الفاخر ذي الثمن الباهظ.. وأنا متأكد من حقيقة واحدة: إن أكثر عامل يسبب انتفاخ الكروش هو كثرة «القروش» وليس الأمر متعلقا بصفات وراثية ولا بطعام صحي او مغشوش..
حين تفشل الدول؛ يسهل توضيح الأمر للبسطاء بالقول إن عملتها المحلية ستصبح ببلاش، أي أنها ستهبط إلى الدرجة التي يبدأ الناس يتبادلونها بالوزن «ميزان او قبّان»، حين يقررون قبض او دفع ثمن سلع عادية، وقد يصبح ثمن رغيف الخبز مثلا بأوقية من العملة الورقية لتلك البلاد، وقد رأينا كيف أصبح الموظف العراقي يتقاضى راتبه الشهري بعد انهيار الدولة العراقية قبل أكثر من عقدين، إذ كان بعضهم يستأجر «بكب» لنقل راتبه، المكون من عشرات او مئات الكيلوغرامات من الورق النقدي، وهذا منظر تلذذ به الحاقدون على العراق وعلى غيره من البلدان التي تفشل وتسقط ويذهب ريحها..
في الواقع يوجد «عندياتنا» في الأردن مثل هؤلاء: كروشهم منتفخة دوما، وكذلك هي أرصدتهم، ولا حديث او سؤال مهم لديهم سوى جني الأرباح والمال، وقبل عدة أعوام؛ أعني «أيام المظاهرات والهيجانات»، استوقفتني مشاهدة شخصية، فكتبت عنهم، بعد أن استزدت من إجابات مضيفي المثيرة، وهو مدير لأحد فروع البنوك الكبيرة في الأردن..
كان السمينون يتوافدون إلى مكتب مدير فرع البنك وكأنهم على موعد، وكنت أحاول تثقيف نفسي وتنمية دقة ملاحظتي و»نباهتي»، أدقق النظر بالسيجار الذي يحمله بعضهم، علما بأنني لا أعلم حتى اليوم ما هو النوع الفاخر الممكن شراؤه من السوق الكوبية ولا حتى الأردنية، لكنني يمكنني القول بأنني شاهدت 3 انواع من السيجار يتعاطاها 7 مدخنين، توافدوا إلى ذلك البنك بلا ترتيب يذكر، سوى رغبة جمعتهم، وهي الاستفسار وبيع الدينار بالدولار..
كنت أعتقد بأنها عملية عادية بالنسبة للبنك، أن يتكاثر زبائنه الذين يتاجرون في العملة، وبعد فترة وجيزة ذهبت في زيارة ثانية إلى صديقي مدير الفرع، لاحظت غياب أولئك الزبائن، فسألته عن سبب قلة الزبائن "جماعة السيجار والدولار"، الذين كنت أعتقد بأنهم دأبوا مراجعة البنك، وبيع الدينار بالدولار أو الاستفسار، فضحك مدير الفرع وقال ما يفيد بأنه كان مجرد «استنفار»، يتسابق فيه أصحاب الأرصدة لتحويل الدينار إلى دولار !.
وطنهم الحقيقي هو المال؛ ولا يعني هذا الوصف بأنني أجرمهم أو أشيطنهم حين يحاولون حماية أرصدتهم وأموالهم، او تنميتها وتأمينها، بل أتحدث هنا عن تلك القصة التي تحدث بها رئيس الوزراء قبل يومين، وهي الإشاعات حول انخفاض سعر صرف الدينار الأردني، إذ وضح رئيس الوزراء بأن دينارنا في حالة استقرار، واحتياطياتنا من العملات الصعبة تتجاو 11 مليارا، وهي مجرد إشاعة ماكرة يستفيد منها بعضهم.
جراء مثل هذه الاشاعات يقوم الناس بتحويل أرصدتهم من الدنانير إلى دولارات، ثم العودة لتحويلها إلى دينار، وفي الحالين يكسب مطلق الاشاعة، ويربح من الفرق بين سعر الشراء والبيع للدولار والدينار، وهذا مثال بسيط على فوائد تلك الاشاعة، علما أن لها فوائد أخرى بالنسبة لهم قد لا يتفهمها القارىء العادي، فهو يشبهني في فهمه للاقتصاد وألاعيبه المبنية على الاشاعة قبل مشاهدتي تلك حين كنت في البنك، ولا أدعي بأنني أصبحت ملما بحكاياتهم، بل إنني سرعان ما سأنسى قصص الربح والخسارة في المال، فهو سلعة لا اتداولها جدا.
الناس الذين يملكون النقود يتهافتون على تحويل أرصدتهم الى الدولار، حين تتناهى إلى مسامعهم قصة انخفاض سعر الدينار الأردني، الذي له أعداؤه وتجاره، ومن بينهم من يملأ قلبه الحقد على الدينار وأهله ووطنه، وهم حين يتاجرون بالإشاعة التي يمكن تسييلها في أرصدتهم البنكية، تحدوهم رغبة مقيمة في تخريب الاوطان وإفقادها الأمان، ولا يجدون في هذه الأحاديث التي تدور في الأردن حول الاقتصاد والمديونية، سوى أنها تشكل ظرفا مثاليا لربح سريع وإشاعة تؤثر على اقتصاد البلد، ليثروا على حسابه وحساب الجميع ..
هذه بعض من «قصص طرما»؛ نحن بصراحة،لا نفهمها ولا يمكننا التعاطي معها، حتى وإن قمنا بتدخين السيجار مرة او أكثر، ولم يسبق لنا وان ألقينا القبض على نفوسنا وعقولنا وهي تعاني من حالة «تضخم» او انتفاخ بسبب فخامة ذلك السيجار وانتفاخ النفس والروح والمظهر..
ألا تبا للإشاعات ..
ولسلة المهملات ..
ولفلسفة سلة العملات والعمولات.
وعاش الدينار حرا أبيا.
ibqaisi@gmail.com.
الدستور.