القيسي يكتب : هيييلا هيلااااا

جفرا نيوز - ابراهيم عبدالمجيد القيسي.
لمسافة تقدر بـ 18 كيلو مترا، سرت راجلا أمس بعد صلاة الجمعة، انطلاقا من الجبيهة إلى ضاحية الرشيد ثم المدينة الرياضية، فطبربور حتى :القرطوعية"، اخترت الشوارع الفرعية فقط، فسرت بغير خط مستقيم طلبا للهدوء الافتراضي، وعلاوة على تحريك السواكن في جسدي، اعتبرتها محاولة لتقصي التزام الناس بالمقاطعة.
لم ألحظ سيارات تصطف في يوم العطلة على جوانب الشوارع وأمام العمارات، وكانت الحركة بنشاط ملحوظ لم نألفه يوم الجمعة وبعد صلاتها، فالسيارات تقريبا مملوءة بعائلات وتتحرك إلى جهات تحت الشمس، أعني ليست غامضة بل إنها فعلا تزخر بشمس مطرودة ينتظرها مواطن مطرود من كل الرعايات العامة، فطفق يبحث عن فرح مصطنع عصر يوم عطلة مشمس.. لا أعلم ما هي الطناجر التي يحملونها في سياراتهم لتناول محتوياتها في منتجعات تنتشر على جوانب الشوارع وتعج بالناس المنهمكين بالتقاط الصور في هواتف فقدت الذكاء والذائقة، وإمطار الفيسبوك بصور مجازر الطعام والنساء السمينات، ويسير ضمن السياق فضوليون، في مكرهة صحية ونفسية تنتشر فيها أغطية وعلب البيبسي كولا وأكياس البوليسترين والأراجيل وسحب دخان الفحم والورق والشجر الأخضر.. الشعب يعيش حالة من حبور عام، ولا يحتاج أن تسأله عن الهمة، فالهمة "فظيعة".. وهييييلاهيلاااااا.
المقاطعة لمشتقات النفط وقرارات السياسة المتضاربة الأهداف تجري صامتة، فهي تمتطي موجة اعلامية دعائية ضد بعض الشركات والمنتجات، وهي الشركات المنزعجة؛ التي تدفع نقوادا لحملات دعائية تسويقية، وترعى بعض أغبياء الاعلام وكذبته الذين قتلوا التنوير والحقيقة، وعمموا البلادة وانهيار الذائقة وتقليص مساحة الخلق على ضيقها، فوجئوا جميعا بأن المواطن أصبح ينخرط وبلا مقدمات في عداء مع هذه الشركات والجهات السياسية، فهو يتصدر حملة دعائية مضادة دون أن تتمكن الشركات والجهات أو صبيانها "المدللين" من فعل شيء، وفي القرى والمحافظات الجنوبية والوسط والشمال، تحتدم معادلة الدعاية والسياسة في نفوس الناس، وتكاد تشعر بوهجها يلسع الضمير القابع تحت سقوف رطبة في العاصمة عمان وفي أكناف مكاتب رجال الأعمال..فلا همة تتطلب حثا وشدا بل
هييييلا هيلاااااا ..ولا شيء غير الهيلا.
جلالة الملك عبدالله الثاني شخص تقدمي؛ حاول ومنذ استلامه زمام الحكم في المملكة أن يرسي قواعد العدالة والمساواة، وتمت "فزعات" متعددة الأغراض، قتلت الفكرة الوطنية والعدالة وأعادت قطار الفساد إلى سكته القديمة، وما زال الملك يحاول كل الممكن لتغيير ثقافة الفساد، ومنذ سنوات وهو يقدم أوراق نقاشية في مسار ثانوي بعيد عن التدخل في شؤون صاحية الولاية، ليفتح نوافذ للناس أن يوسعوا مدارك الحوار، لعلهم يتخلصوا من تلك الثقافة المقيمة المخيمة على عقول ونفوس يصعب تحريرها من عقد وأمراض مزمنة، وقبل أسابيع قال الملك للحكومة عن الرواتب المرتفعة التي يتقاضاها فيلق من الموظفين في الوظائف القيادية، في مؤسسات مستقلة وغير مستقلة، ولم يلتفت "المناضلون ولا الحكوميون" لأهمية هذا الكلام الملكي، بل إنهم تواروا خلف حدود الكلام والهدف، فالبسطاء سلكوا طريق الدعاية للمقاطعة، والحكوميون في مجلس الوزراء وفي تلك الغرف المعتمة تسوروا بالضرائب وإبعاد الخطيرين وتقريب الحبايب الوديعين، ولا حديث يرتقي أو يترجم ما قاله الملك بشأن الرواتب العالية: ترى كم هو حجم تلك الرواتب؟ هل من إحصائية تبين عدد الموظفين في الدولة الذين يتقاضون رواتب تزيد عن 1000 دينار؟ كم هو مجموع رواتبهم؟ ومن أين ستأتي لهم الحكومة برواتب إذا لم تلجأ لرفع الرسوم والضرائب على الضرائب؟ وبين الجباية من جيوب البسطاء والفقراء وبين حصاد الوهم من القمة انشغلت بل اشتعلت الهمة.. ولا ينقصها سوى :.... هيييييلا هلاااااااا.
أبشع الجرائم التي قد يرتكبها أردني في هذه الظروف؛ هي التي يفعلها شيطان عرف الحق والعدل والخير والخطر فصمت عنها جميعا، وما أكثر هؤلاء !.. يتربصون بنا ويقعدون لنا كل مرصد، يتقلون فكرتنا ويسرقون فرصتنا، ويتقرصنون على ساحاتنا الاعلامية، فيقدموا متأخرا يلثغ ويقرط في كل حروف اللغة وقواعدها وأغراضها، فإذا به يتصدر الاعلام والكلام ليخسر الوطن كل قضاياه ويتوه الخطاب تاركا الساحة والمساحة للمناضلين المتطوعين، يملأونه بالتأوه والتعبير الفج عن الوجع والاستعراض الذي يدفعك للتقيؤ ولو بوضع الإصبع في الحلق، بينما الفكرة والضمير يغيبان قسرا بالإقصاء، والتدخل في الصحف، وحماية المخبرين الصغار، او خوفا وطمعا في موقع ملحق لصبي يتلقى الهدايا الرخيصة ليعمل لدى مخبر صحفي، اسلوب ذميم في قتل الاعلام الوطني، وتغييب خطابه، فيسود "القرف" من التنجيم على فكرة أو قيمة محترمة في أحاديثهم وكتاباتهم وتلفزيوناتهم وإذاعاتهم، ثم يخرج علينا من يحدثنا بالرقم ويفسره باللغة الهيروغليفية، ليبيض لنا السواد والفساد والذمة، ثم يسألونك "كيف الهمة؟!".. فلا تملك سوى القول : هيييييلا هيلاااااااا.
الشارع الاصطلاحي؛ لم يخرج بعد، فالمعارضة غائبة عن هذا الاسلوب من الرفض للسياسات الخاطئة المتراكمة، وحزب جبهة العمل الاسلامي وجماعة الإخوان ملتزمان، لم يغيرا استراتيجيتهما الذكية في التعامل مع الشأن العام، فالشارع فارغ رغم كل الأخطار المتناسلة كل ساعة، وكلام الملك عن الرواتب لم يسقط في أذهان وقلوب الناس كما ينبغي، ولعل المعارضة أيضا تريد أن يقوم الملك بكل شيء، فيقود المظاهرات مطالبا بخفض الرواتب التي تبتلع ثلاثة أرباع موازنة رواتب الدولة، بينما تنشغل الدولة بالربع المتبقي للفقراء والبسطاء تريد تقسيمه بينهم وبين مسؤوليهم ونجومهم وقادتهم في الفئات العليا !.. والتجار؛ يا عيني على التجار، شحذوا سكاكينهم كما يجب، للانقضاض على ما يتبقى في جيوب الناس، فهذا خبأ الدخان، وذاك زاد سعره، وآخر شطب ختم "دخان العقبة الشقيقة" وباعه كأنه محلي "عماني" بإضافة ربع المبلغ على سعر المحلي.. وفي جعبتهم المزيد للخبز والفلافل ودفاتر الطلاب وتسليك المجاري وأسعار الحديد، وقلت لأحدهم وهو سوري الجنسية: لماذ تبيعه بهذا السعر المرتفع؟ قال هكذا يريد المعلم "محمود"، فـ"انعجق الشب" يجد إجابة حين قلت له : كم من الوقت احتاجت سوريا لتخرب؟ فقلت له لا نحتاج 5 سنوات لتخريب بلدنا مثلكم، فنحن وبفضل معلمك "راسمالنا اسبوع واحد".. وهيييييلا هيلااااااا.
امنحوا مهند حسين صوتا في عرب أيدول ولا تكترثوا للنقود، فيجب أن ندفع ثمنا لراحة بالنا للتخلص او التملص من سيطرة مطرب واحد على اللون الوطني في الغناء وفي السياسة والتجارة والاعلام والمعارضة والموالاة..لعل الشب يرفدنا بإحساس حزين بعد كل هذا الفرح الباعث على التقيؤ.. لعلها تفتر تلك الهمة الرديئة وتعلو الهمة الوطنية الحقيقية ليستقر المركب على بر أمان..
شدو الهمة؛ أما الفلوس فهي "وسخ ايدين" ورواتب للشباب.. وهييييلا هيلاااااا. ibqaisi@gmail.com