هبوب الجنوب يكتب : أنيسة الصومالية

جفرا نيوز - خاص - هبوب  الجنوب  لي صديقة على الفيس بوك من الصومال أسمها أنيسة ..ونتحاور كثيرا وهي تجيد العربية , وقبيلتها من أصول عربية ..غابت عني منذ شهرين , لم ترسل لي رسالة ...ولم تضع (لايكا) ..أين أنت يا سمراء ..؟ لو أن هناك خطوطا جوية بيننا وبينكم لجئت الصومال كي اطمئن , على الوجه الأسمر ..وأنا أعرف يا أنيسة أن قلبك على بلادك ..مثل قلبي تماما فهو على بلادي , ولكن الفارق أن (المليشيات) لديكم تقاتل بعضها في الشوارع ..نحن لدينا (مليشيات) على الفيس بوك ..يوما نقاتل محمد الوكيل ويوما نقاتل الحكومة , ويوما نهجم على وزير التربية ..وفي بعض الأحيان نقاطع كل شي ...لا عليك يا سمراء , تماما الفيس بوك في الأردن مثل الجبهة في مقديشو ..بقي أن أعزز صفحتي بقليل من المتاريس , وبقليل من أكياس الرمل ..وها أنا متحفز لصد أي هجوم (مليشياوي) ... نحن مثلكم يا أنيسة ..لدينا أيضا قادة للمليشيات , ولدينا فصائل ..وحربنا تشتعل بإيعاز من قائد مليشياوي , وتنهي أيضا في مؤتمر تحضره الأطراف ويتم إعلان هدنة مؤقتة ...قبل شهر أسست مليشيا جديدة , إسمها مليشيا المقاطعة ..وانتهت الأزمة تماما حين أفرج عن مؤسسها ...أنا نفسي رهين المليشيا يا سيدتي ...فقد خضت حربا ضروسا , ولكني هزمت ...حين قصفت بالأسلحة الثقيلة , وانتهى المطاف بي في السجن ..وعدت ألمم بعض الحزن وبعض الروح وما تبقى ..من كلمات في القلب , كي أمارس العمل الفصائلي من جديد ... غير أنكم تملكون بحرا , تهربون إليه حين يشتد بكم التعب , ونحن يا أنيسة لا بحر ولا شوق ولا شجر ..ونهرب للجدران عل الجدران تواسينا ...وأنتم يا أنيسة , حين يضيق بكم البر تهربون للبحر ..وتمارس المليشيا فنون القتال هناك وتختطف السفن وتحضرها للموانيء في (مقديشو)...نحن أيضا حين يضيق بنا (الفيس بوك) نختطف الضمير , ونختطف الأدب , ونقصف الأخلاق باستخدام (الار بي جي) ...يصبح كل شيء لدينا مشاعا , وكل هدف حيوي خاضع للخطف والقصف , وقد نختطف العرض والكرامة ..ونلعن عيون النساء , ونعتبر الخلاخيل قيودا , وكحل العيون دمغة للعبودية ... يقال يا أنيسة أن سعر (الكلشن كوف) لديكم في الصومال (30) دولارا فقط ويقال أن السلاح متاح , نحن مثلكم غير أننا نختلف في أن الشتيمة على ساحات المعارك في صفحات الفيس بوك ..مجانا , والبصقة مجانا وشتم شرف الوالدة مجانا ..نحن المليشيات الموجودة لدينا , سلاحها الفحش وأدواتها اللغة ..والقصف مباح في كل اتجاه , ودون تحديد للمدى أو المسافة ويقال أن قادة المليشيات لديكم أو تجار الحرب , عددهم قليل ..ولكنهم معروفون للجميع ومحصنون , نحن نختلف في هذا الجانب فكل مليشياوي هو قائد , ولا يوجد حصانة لشيء ..فالحكومة ترجم والكلمة ترجم والكتاب يقصف والوزارة تنسف , والكاتب ينحر ...نحن في قلب كل واحد منا مليشيا وفي لحظة ينقسم على نفسه ويؤسس من ذاته فصائلا متناحرة .. اين أنت يا أنيسة ؟...يا سمراء في الوجه , ولكن القلب أنقى من وطن عربي تعهر بفعل الذات ألف مرة , وما زال يدعي العفاف ..اين أنت يا رقيقة ويا جميلة ..ويا أسطورة الموز والرمل ..ومقديشو إذ ترفع عن زنديها أكف القميص وتنادي البحر كي يغسل الدم المسفوح على الأكف ..أين أنت؟ خذيني إليك يا رفيقة الكلمات , أريد أن أرحل إلى المليشيات الموجودة لديكم هناك ..الهدف واضح والعدو واضح , وتستطيع أن تسدد عليه , هنا لا تعرف عدوك فهم يختبئون خلف صفحات الفيس بوك باسم مستعار , وشعر مستعار وقلب مستعار وشرف مستعار ...هناك ستعرف أنك ستموت حين تحاصر والموت يأتي مرة واحدة , هنا كل يوم تموت ألف مرة ..فالطلقة تأتيك على شكل رسالة أو شتيمة أو تهديد , وبعضهم يرجم امرأة استقرت في قبرها منذ (14) عاما وما زالت في القبر عظاما تكحل التراب في الجنوب , اي شرف هذا الذي يملكه رجل يشتم الأموات ...؟ خذيني يا أنيسة عندكم , فالحياة بسيطة ..وسنهرب أنا وأنت للبحر حين تحاصرنا المليشيات , هنا لمن ستهرب ؟..هنا لابحر يقيك قصف المليشيات لا جبل يحميك , ولا وطن حملت ترابه على كتفيك ..وامنت به نصيرا , فكان أن خذلك عند أول دمعة حرى سالت على خد ,هو من تكوين صخره وطينه إن قرأت رسالتي هذه يا أنيسة فردي علي , واكسري صمت المحيط فأنا لم أكن أغازل امرأة كنت أغازل المحيط الهندي كله , وخذيني من حزني أنقذيني من زمن ..يصبح الهواء فيه فريسة , صرت أخشى يا غالية أن يغتالوا الهواء في رئتي ... هذا زمن للمليشيات , ولا فرق إن ولدت على الفيس بوك , أو ولدت على الأرض فأمريكا ...مثلما تنتج حروبا على الساحات , تنتج أيضا حروبا على الصفحات الإلكترونية ...وأنا وأنت يا أنيسة نتاج لعشق المليشيات وضحايا لها في نفس الوقت ..