ابراهيم القيسي يكتب : الملك في لعبة الأمم..

جفرا نيوز - ابراهيم عبدالمجيد القيسي
الأسئلة الكبيرة؛ جدلية، لكنها منطقية: كيف سيكون شكل المنطقة لو لم يتمتع الملك عبدالله الثاني بمثل هذا الأفق؟ ما هو نوع وعدد وشكل الأزمات التي ستعصف بالمنطقة؟ و أين ستكون بلاد كالأردن و «غيرها»، وما مصير القضية الفلسطينية؟!.
في لعبة الأمم؛ أخطر القرارات تتم في الخفاء، ويكون لأجهزة الاستخبارات والجيوش رأي حاسم فيها، وهذا كان يحدث في الماضي، لكن الزمن تغير، وانقلبت بعض المفاهيم السياسية الاستراتيجية، فأصبحت مكشوفة وتحدث على الملأ، لكنها على درجة من التعقيد بحيث لا يمكن مجاراتها والتحدث عنها، أو التحذير من خطورتها..ومكمن التغيير في التأثير له علاقة بالسوق وثقافتها ومنطقها، وكذلك تأثير الإعلام وخطورته، فإن استثنينا السوق وثقافتها من أدوات تأثير الأردن في القرار العالمي المتعلق بالمنطقة، يبقى الإعلام والحوار، والقدرة على المناورة.. وهي ضمانات مهمة لأداء حسن في لعبة الأمم.
جلالة الملك؛ دوما يكسر حاجز الصمت، ويبادر، ويحاور، ويؤدي بشجاعة، ولا يغامر او يخاطر، وهذا ما نخرج به كلما حاولنا فهم دوره في القرارات المتعلقة بالمنطقة، لا سيما السياسية منها، او الفكرية المبنية على فهم خاطىء لهموم شعوب المنطقة ومشاكلها والتحديات التي تواجهها، ومدى خطورة الدور التضليلي الذي تقوم به بعض الجهات المتواجدة في هذه المنطقة، كدولة الاحتلال الاسرائيلي ومخططاتها العدوانية المبنية على قلب الحقائق والعبث بها وتشويهها.
حدثت بعض الأخطاء الاستراتيجية سابقا؛ لا ننكر، وهي ربما يمكن تفهمها بناء على ظروف سياسية دولية خاصة، لكن الأردن وسياساته الخارجية تتسم ببعد النظر والوضوح، بعد أن قامت دول كثيرة برفع شعار «المصالح» فوق الثوابت القانونية والأخلاقية والتاريخية، ومن بين أهم الملفات التي تأثرت حولها نظرة العالم، وتغيرت توجهاتها بشأنها، ملفات : الاسلام والسلام والارهاب وفلسطين، وكل التغييرات التي اعترت القرار العالمي حولها، كانت بسبب مواقف الأردن، وبراعة جلالة الملك عبدالله الثاني في عرضها وتوصيلها إلى العقل «الاستراتيجي» العالمي، قبل عقل صناع القرار فيه، وقد شهدنا تغييرات جذرية في نظرة العالم إلى الإسلام، وأصبحت الشعوب الغربية والشرقية تفهم وسطية وعدالة الاسلام وتتحدث عنها أيضا، وتميز بينه وبين التطرف، وقد شهدنا ظهورا إعلاميا لجلالة الملك في محافل دولية، استمع فيها السياسيون والمفكرون ورجال المال والأعمال ووسائل الاعلام بإصغاء لافت، ينم عن مدى ثقتهم بكلام الملك عبدالله الثاني، إلى الدرجة التي يمكننا القول معها بأنهم كانوا يتعرضون لعصف ذهني، قلب أغلب المفاهيم لديهم، وهذا ما نلمسه ونخرج به حين نحاول تفسير سر اهتمام الاعلام العالمي بكلام الملك، ولا يعني هذا الاهتمام أن وسائل الاعلام تلك لا تملك بدائل للبحث عن الحقيقة، بل إنها ربما تكون تعرفها، لكنها تستسلم لما يريده المتلقي حول العالم، وتعلم بأن طرح الملك عبدالله الثاني يجد اهتماما عالميا، وينتشر في الميديا العالمية بشكل أسرع، نظرا للمصداقية في الحديث، والمعلومة المنطقية المتوازنة، والحقيقة اللافتة لاهتمام الباحث عنها، وتفرد اسلوب العرض والطرح..
رغم خطورة القرار الذي اتخذه ترامب حول الاسلام وأهله، إلا أننا لم نسمع تعليقا او تصريحا واحدا من العالم الاسلامي المترامي الأطراف، سوى بعض المواقف التي تدافع فيها دول عن نفسها، بل إن الجميع آثر عدم «النبس» بكلمة واحدة، اعتقادا منه بأن هذا هو الموقف السياسي المطلوب والأكثر سلامة، لكن الملك عبدالله الثاني؛ وعلى الرغم من عدم شمول الأردن ومواطنيه بالقرار المذكور، إلا أنه فعل ما كان يجب فعله من قبل دول أخرى، فأعاد جلالة الملك الضوء إلى قضايا المنطقة، وقام بواجبه في الدفاع عن الاسلام وسماحته وعدالته، وذكر العالم كله بأن التطرف عدو للجميع، وأكثر المتضررين من التطرف هم المسلمون أنفسهم.. وهو موقف عرفناه عن الملك بعد كل حدث عالمي، حين تنساق وسائل الاعلام في بث خطاب عالمي مجاف للحقيقة، ليظهر الملك فيقول كلاما أكثر اقناعا وتوضيحا وتأثيرا، وتنعكس سياقات الأجندات الاعلامية المناوئة للاسلام، لتعود وتتحدث حسب منطق الملك عبدالله الثاني، ويتسابق السياسيون في أوروبا وغيرها للتصريح بكلام اكثر توازنا وحيادية.
ولا يوجد ند للسياسة الاسرائيلية أهم أو أخطر من الملك عبدالله الثاني، وهي الندّية التي تبرم منها الاسرائيليون وسائر رموز الصهيونية العالمية في السنوات العشر الأخيرة، لكنهم لا يستطيعون التحدث بخطاب عدواني واضح، ولا يمكنهم مجاراة الحقيقة التي يقولها الملك دوما عن العدالة الدولية وحقوق الشعب الفلسطيني بالحياة، وعن أسباب التطرف وروافده، وعن العبث المدروس بثوابت تاريخية وانسانية وقانونية، فكان وما زال الملك عبدالله الثاني أكثر اللاعبين براعة في طرح قضايا المنطقة والدفاع عنها بشجاعة، وبتزامن دقيق، يجهض أغلب محاولات الطرف الآخر، الذي يرعى مصالحه ويحميها بعيدا عن العدالة والقانون الدولي والحقوق الانسانية التاريخية الطبيعية..
لا أحد يستطيع أن يتجاوز عن أهمية ما قام به الملك عبدالله الثاني في زيارته الأخيرة لأمريكا، ومدى تأثيرها على القرار العالمي، فهي خطوة كبيرة قام بها الملك الأردني في تغيير لعبة الأمم، التي كانت تنذر بخطورة كبيرة على العالم وأمنه وسلمه، وتهدد المنطقة بأكثر من أزمة جديدة..
من حقنا كأردنيين أن نقول بأن أي تغير «إيجابي» مرتقب في سياسة أمريكا الخارجية تجاه منطقتنا والعالم، سيكون سببه الرئيسي ما قام به الملك عبدالله الثاني في زيارته الأخيرة.الدستور
ibqaisi@gmail.com